الاستثمار في الأبناء
قيل سلفًا: “إذا أردتَ أن تزرع لسنة فازرع قمحاً، وإذا أردتَ أن تزرع لعشر سنوات فازرع شجرة، وإذا أردتَ أن تزرع لمائة سنة فازرع إنساناً”، يعد الاستثمار في الأبناء أحد أهم مسارات بناء الإنسان لإعداد جيل واعد يساهم في إعمار الأرض والنهوض بالإنسانية في شتى المجالات، وإن أولويات ديننا الإسلامي الحنيف هو الحفاظ على خليفة الله في أرضه.
ولذلك وجب على المجتمعات والمؤسسات التربوية والتعليمة بالتعاون مع الأسر أن يكون نصب أعينهم تحقيق هدف الاستثمار في الأبناء ، فتسخر الجهود والمال والفكر لخدمة هذا الجانب المهم، وبالتالي رسم الخطوط العريضة لتربية نموذجية تراعي ميول وحاجات الأبناء النفسية والاجتماعية والجسدية.
الاستثمار الأمثل هو الاستثمار في الإنسان، وهو ما سيحقق عائداً حقيقياً على الدول، ويؤثر إيجاباً على مقدراتها، فالكثير من دول العالم تنفق الأموال الطائلة في سبيل التعليم وتعزيز الخبرات والتجارب لدى أبنائها، إضافة إلى تحفيز الأسرة لأبنائها على علو الهمة والطموح من أجل إكمال تعليمهم الجامعي في التخصصات المتنوعة.
تشير بعض الدراسات بأن الاستثمار في الإنسان يعد من أهم الاستثمارات التي يمكن أن تُكرَّس لها الجهود، ذلك ما توصلت إليه الأفكار العالمية في دعم الإنسان، إذ تؤكد الدراسات العلمية أن (70%) من سلوكيات البشر تبدأ بالتبلور في السنوات الخمس الأول من العمر، فإن لم نحسن التعامل مع أبنائنا في هذا العمر فقد نُسهم في وأد نبوغهم وتميزهم وصفاء أذهانهم من حيث نشعر أو لا نشعر، وتبين تلك الدراسات أن نسبة المبدعين الموهوبين في سن الولادة وحتى السنة الخامسة تبلغ (90%) وتنخفض إلى (10%) عند السابعة من العمر، أما في الثامنة من العمر فتكون (2%) فقط.
وتُشير أصابع الاتهام إلى التأثير السلبي لأسلوب تعاملنا مع أبنائنا أو طرق تربيتنا لهم أو إلى مناهجنا التعليمية، أو حتى للأعراف الاجتماعية، فبعض الأسر تنفق الأموال الطائلة في سبيل نقل أبنائها من مستوى تعليمي إلى آخر بغرض التباهي أو بهدف وضع الأبناء في مستوى تعليمي مميز من وجهة نظرهم دون الالتفات إلى قدرات وميول الأبناء ؛ وذلك إيماناً منهم أن هذا قد يكون الأفضل لضمان المستقبل، ولكن يجب أن ينتبه هؤلاء إلى أن الاستثمار في التعليم رغم أهميته لكن يجب أن يتسق مع ميول واهتمامات وقدرات الأبناء ، لأن ذلك لا تتضح آثاره إلا على المدى البعيد.
وجميع شواهد التطور في العالم تؤكد على ضرورة استثمار العنصر البشري بكل طاقاته، لأن ذلك هو ما يحقق الفارق في التقدم والتطور، وهذا يعني أنه بالضرورة سيتم تخريج قوة بشرية لها القدرة على التطوير والتحديث، وذلك من خلال المؤسسات التعليمية والجامعات والمعاهد العليا، ويجب أن يرتبط مفهوم الاستثمار بمفهوم التنمية الشاملة التي تهدف إلى تحسين نوعية الحياة وقدرة الإنسان على التعامل مع العلم والمعرفة وتقنيات العصر، حيث أن التنمية بهذا المفهوم ذات علاقة رئيسة بالتعليم الجيد للإنسان، وأن التعليم هو المحور الأساسي للتنمية والنهضة الحضارية.
ونؤكد مجددًا أن الاستثمار الأمثل هو استثمار المجتمع في أبنائه، وذلك قد يتحدد وفقاً للحالة الاقتصادية للأسرة، فإذا توفرت الموارد الاقتصادية تمكنت من تحويل مواردها لدعم تعليم أبنائها والاستفادة من مخرجات تعليمهم بتوجيههم لسوق العمل، بينما تظل الأسر الفقيرة في معاناة دائمة؛ بسبب قلة مواردها وعدم تمكنها من الاستثمار في الأبناء عبر مجالات التعليم، وهنا يأتي الدور الهام والرئيس للدولة – التي لا تتخلى عنه – في دعم هذه الفئات من أبناء المجتمع.
وكثير من دول العالم لها سبق بالاستثمار في العنصر البشري، وحققت نجاحات كبيرة في مجال تنمية الموارد البشرية؛ مما أدى إلى تطور هذه الدول، الاستفادة من التجارب العالمية في مجال الاستثمار في القوى البشرية ضرورة مُلحة، ويجب وضع الركائز والأساسات لتنمية الموارد البشرية الوطنية، لأن ذلك سوف يُساهم دون شك في تطور البناء المؤسسي للدولة.
ومن أهم جوانب الاستثمار المختلفة في الأبناء التي يجب العناية بها والتركيز عليها هي بناء الشخصية المميزة لهم، وتأسيس عمق فكري ناقد وتحليلي متزن في مناحي الحياة المختلفة، إلى جانب العناية باختيار المؤسسة التعليمية التي تنمي جوانب الإبداع والمهارات المتنوعة لديهم، ويجب أن نبني لدى الأبناء قناعات بأن العلم هو جذوة لا يمكن لها أن تنطفئ وأن يكون مُحبًا للتعلم مدى الحياة.