الأب المعلم
رائعٌ أن تكون أبًا، و رائع جداً أن تكون معلمًا، و الأروع من هذا و ذاك أن تجمع بين كليهما.
المعلمُ له خصوصيةٌ كبرى في حياة طلابه؛ فهو أكثر من يؤثر فيهم و يستقون منه ثقافاتهم و خبراتهم بل و طرق تعاملهم و انخراطهم في مجتمعاتهم. و كلُّ موقفٍ تعليمي يتعرضون له يكون المعلمُ هو النبراس الأولُ و الموجِّه الذي يتعلمون منه كيفية التصرف في مثل هذه المواقف، فيخرجون للمجتمع و لديهم من المهارات و الخبرات ما يمكنهم من المشاركة الفعّالة في بناء و رفعة أوطانهم .
من هنا تأتي المسؤولية الجسيمة و الدور العظيم للمعلم؛ فهو القدوة و المثل الأعلى، لذا.. فكلُّ تصرفاتِه و أقوالِه محسوبةٌ عليه.
من منّا لا يقسو على أبنائه؟! من منا لا يعنّفهم أحيانا ؟!
لكننا دائماً نرى في أعينهم الحب و الاحترام؛ فهم يعلمون علم اليقين أننا نحبهم و نسعى جاهدين لسعادتهم.
نقسو أحيانًا.. و نلين أحيانًا.. و ما بين القسوة و اللين نعلمهم و نربيهم و نكسبهم الخبرات.
نمزح معم و نلعب.. و نجد و نتعب.. و بين الجدّ و الهزل نعطيهم الدروس و العِبَر ونغرس المبادئ والقيم.
أن تكون أباً نعمةٌ عظيمة، و أن تكون معلماً شرفٌ و فضلٌ كبير، لكن أن تجمع بين الاثنين.. (تلك هي المعادلة الصعبة، و من حققها .. فقد حقق أمرا عظيما وميزة فريدة تميزه عن غيره من المعلمين)
أن يشعر الطالبُ بأنك كأبيه، و يتعامل معك على ذلك بكل ما تحمله الكلمة من معاني المودة و الاحترام و التقدير، تلك منزلةٌ لا يصلُ إليها إلا المعلم المخلص.
والإخلاص لا يقتصر على الاجتهاد في شرح الدرس أو تحضيره و الاستعداد الجيد للحصة بالمادة العلمية و الوسائل التعليمية فحسب، و إنما أن تكون أباً بمعنى الكلمة، تحبُّ طلابك كأبنائك، تخاف عليهم، تحرص على توجيههم و تربيتهم و تقويم سلوكهم، و تشعرهم بأنهم الأهم في حياتك و أنك موجودٌ لأجلهم، أنت السندُ و أنت الملاذ لهم، تحزن لحزنهم، و تفرح و تبتهج لسعادتهم، فإن علّمت تلقّوا منك وحفظوا واجتهدوا..
و إن مزحتَ.. مزحوا معك و كلهم تقديرٌ و احترامٌ؛ لأنهم يدركون أن أباهم يخفف عنهم عناء الدروس و مشقة اليوم الدراسي.
الأبُ المعلمُ درجةٌ لا يصل إليها إلا الصادق المخلص المحبُّ لعمله و أبنائه، و الذي لا يبتغي من جراء هذا العمل إلا مرضاة الله – عز و جل- في المقام الأول.
كُن أباً قبل أن تكون معلماً، كُن مربياً قبل أن تكون مُلقّناً، و لتتذكر دائماً أنك تجمع بين رسالتين.. رسالة الأبِ و رسالة المعلم.
الفخرُ و العزُّ لي؛ فأصدقائي لكل منهم ابنٌ أو اثنين أو ثلاثة، و أنا بفضل الله لي من الأبناء المئاتُ.
اللَّهُمَّ لك الحمد على نعمة الأبوة، و لك الحمد والشكر ربي أن جعلتني معلماً.