كيف اختار تخصصي الجامعي؟
لا أحد ينكر أنّ عملية اختيار التخصص الجامعي أو المسار الجامعي المناسب قد تكون في غالب الأحيان مثيرة للتوتر والخوف، نظرًا لأن الكثيرين يفكّرون في الأمر على أنه خطوة مصيرية ستحدّد مستقبلهم إلى الأبد.
لا تقلق فالتخصص الذي ستختاره لا يعني بالضرورة أنه سيقودك إلى وظيفة واحدة فقط مدى الحياة، إلاّ أنّك برغم ذلك ستقضي وقتًا طويلاً في دراسته لذا عليك أن تتعلّم كيفية اختيار التخصص المناسب لك قبل أن تلتزم فيه لعدّة سنوات.
التخصص الجامعي أو المسار الجامعي:
هو حقل الدراسة الذي تختاره في الجامعة، والذي يتضمّن بالإضافة إلى متطلبات جامعية عامّة مجموعة من المواد المتخصصة في مجال معيّن كالكيمياء والرياضيات، والعلوم الاجتماعية، وعلم الاقتصاد والسياسة أو غيرها، بل يسعُك في بعض الأحيان أن تصمّم تخصصك بنفسك.
ربما تعتقد أنّ التخصص الجامعي هو المفتاح الرئيسي لمستقبلك الوظيفي، إلاّ أنّ العديد من الدراسات واستطلاعات الرأي الحديثة تشير إلى غير ذلك، قد تمنحك المعلومات التالية فكرة عن مدى أهمية التخصص الجامعي بحسب تقرير صادر عن منظّمة GenFKD، حول آراء الشباب فيما يتعلّق بشهادتهم الأكاديمية تبيّن الآتي:
واحد من بين كلّ خمسة خرّيجين لايزال عاطلاً عن العمل وقت إجراء الدراسة، 45% فقط من فرص العمل المتوفرة تتطلّب وجود شهادة جامعية، 40% من الشباب الخاضعين للدراسة صرّحوا بأن تخصصاتهم لم تكن ذات علاقة بوظائفهم الحالية، وما نسبته 25% من الأشخاص يغيّرون مجالات عملهم كلّ ثلاث سنوات حيث تكون مجالات العمل هذه في الغالب بعيدة كلّ البعد عن تخصصاتهم الجامعية.
قد تتساءل: لماذا عليّ إذن اختيار التخصص الجامعي بشكل صحيح؟
الجواب بسيط… بعد الاطّلاع على المعدلات السابقة فإن اختيار المسار الجامعي المناسب وبناءً على العوامل التي سنتطرّق للحديث عنها لاحقًا سيسهم دون شك في العثور على وظيفة مناسبة قد تكون في الأغلب في نفس مجال دراستك، وحتى لو لم تكن كذلك، فالاختيار الصحيح سيمكّنك من اكتساب المهارات اللازمة التي تساعدك على إيجاد الوظيفة المناسبة والنجاح في مسيرتك المهنية بغضّ النظر عن طبيعتها.
احرص على الأخذ بعين الاعتبار بالمعايير التالية أو غيرها عند اختيار التخصص الجامعي:
- تعرف على شغفك واهتماماتك وقيمك:
لعلك سمعت الجملة الشهيرة التي مفادها: “إن أحببت شيئًا ما فسوف تبدع فيه حتمًا”. وهذا هو ما نقصده بالشغف، فإن كنت تحبّ أمرًا ما فلماذا لا تتعلّم المزيد عنه لتجني من ورائه دخلاً مناسبًا تعيش به؟ ليس هذا فحسب فحتى الأشخاص الذين لم يكتشفوا شغفهم بعد يستطيعون على الأقل الاستفادة من اهتماماتهم للتعرّف على التخصصات الأنسب لهم حيث تتطوّر هذه الاهتمامات لتتحوّل إلى شغف فيما بعد، وكذلك تلعب قيم الشخص ومعتقداته دورًا مهمًّا في اختيار مساره الدراسي، فمثلاً إن كان أحدهم مؤمنًا بضرورة الحفاظ على البيئة والثروة الحيوانية، سنجد أنّ توجهاته في اختيار تخصصه ستكون أقرب لما يؤمن به كالهندسة الزراعية أو الطاقة البديلة والمتجددة، وأبعد ما يكون عن تخصصات تخالف قيمه كالهندسة الكيميائية أو الهندسة النووية المضرّة بالبيئة.
- حدد قدراتك ومهاراتك الشخصية:
يُقصد بالقدرات كلّ ما تستطيع فعله والقيام به، وتنقسم القدرات التي تؤثر في عملية اختيار التخصص الجامعي إلى قسمين أساسيين:
- القدرات الشخصية: وهي المهارات التي تمتلكها في مجال معيّن، فمعرفة الجوانب الدراسية التي تبرع فيها سيساعدك بلا شكّ على اتخاذ القرار السليم عند اختيار التخصص الجامعي، ولا يعني هذا الأمر بالضرورة أن تستبعد جميع التخصصات التي تتطلّب مهارات تفتقر إليها، فهناك احتمالية لأن تكتسب هذه المهارات أثناء فترة دراستك.
الفكرة هنا هي أن تبتعد عن التخصصات التي تعلم يقينًا أنّك تعاني من ضعف فيها فعلى سبيل المثال لو كنت تواجه صعوبة في مواد الرياضيات طوال مسيرتك الدراسية ما قبل الجامعة فإنّ اختيار تخصص يتطلّب مهارات متقدّمة في الرياضيات سيكون خيارًا سيئًا بلا شكّ، وحتى تتعرّف على قدراتك ومهاراتك الشخصية التي ستساعدك في اختيار التخصص الجامعي يمكنك التقديم لاختبار تحليل الشخصية – متوفر في مواقع هدة على الإنترنت – الذي يساعدك على معرفة نقاط قوّتك، مواطن ضعفك وكذلك أهمّ المهارات التي تمتلكها في معرفة التخصص المناسب لك.
- القدرات الماديّة: في ظلّ الظروف الراهنة وارتفاع تكاليف الدراسة في الجامعات المحلية والدولية أصبحت القدرة الماديّة عاملاً حاسمًا في اختيار التخصص الجامعي والتي تطغى في كثير من الأحيان على غيرها من العوامل، وقبل اختيار التخصص الجامعي حاول التعرّف على تكاليف دراسته في بلادك أو في الخارج، وابحث عن إمكانية توفّر منح دراسية أو منح مالية تخفّف عنك تكاليفه وتساعدك على دراسته … قدّم على المنح الدراسية المجانية والممولة المتاحة على المواقع المتعددة.
- فرص العمل المستقبلية:
لابدّ دومًا من التفكير في فرص العمل المتاحة عند اختيار المسار الجامعي لأنه في النهاية يسعى الجميع للحصول على درجة جامعية تساعدهم على دخول سوق العمل والحصول على وظيفة مرموقة فإن كنت على سبيل المثال قد اتخذت القرار بالعمل في السلك الدبلوماسي فلا شكّ أنّك ستختار تخصصًا قريبا من هذا المجال مثل العلوم السياسية أو تخصص العلاقات الدولية ولن تفكّر حينها في تخصصات مثل العلوم الطبية أو التصميم الجرافيكي لأنها بعيدة كلّ البعد عن مجال العمل الذي تطمح إليه، واحرص دومًا على طرح الأسئلة المتعلّقة بفرص العمل قبل اختيار تخصصك الجامعي ومنها على سبيل المثال:
هل هناك سوق عمل لهذا التخصص؟ بمعنى آخر هل سيكون من السهل عليك العثور على وظيفة بعد تخرّجك من الجامعة في هذا المجال أو مجالات قريبة منه؟ وحتى تتجنّب خيبات الأمل الناجمة عن عدم توفر فرص العمل المناسبة… حاول دومًا اختيار تخصصات عامة تتيح لك العمل في عدّة مجالات ويُفضل أن تجعل التخصصات المحددة جدًا خطوة مستقبلية في حال قرّرت الحصول على درجة الماجستير أو الدكتوراه في هذا المجال، واقرأ أيضًا عن التخصصات المطلوبة في سوق العمل السعودي 2030 وهل لهذا التخصص مستقبل؟
إننا نعيش في عصر التقنية والتطور التكنولوجي والابتكار حيث حلّ الذكاء الاصطناعي محلّ الكثير من الوظائف الحالية … تعرّف أكثر على تخصصات المستقبل وحاول قدر الإمكان أن يكون تخصصك من ضمنها، وحتى لو لم تتوافر في جامعات بلدك، ويمكنك على الأقل اختيار تخصص يكون قاعدة لأحد هذه التخصصات، وبهذه الطريقة ستضمنُ حصولك مستقبلاً على وظيفة مرموقة لن تسلبك إياها الروبوتات.
وأيضًا اسأل عن مستقبل العائد المالي لاختيارك ومدى جدوى ونمو الدخل فيه.
لنكن صريحين، وحتى لو كنت تعتبر أن المال هو عنصر ثانوي إلاّ أنه يلعب دورًا مهمًّا في اختيار التخصص الجامعي، وإلاّ فلماذا تريد الحصول على وظيفة جيدة بعد التخرّج؟ أليس ذلك بسبب رغبتك في العيش الكريم وكسب المال؟ فكّر قبل أن تختار تخصصك فيما إذا كان سيتيح لك الحصول على وظيفة براتب جيّد يتوافق مع أهدافك وطموحاتك سواءً كانت هذه الوظيفة في بلدك أو في الخارج.
- مدى صعوبة التخصص الجامعي:
قد تبدو بعض التخصصات الجامعية أصعب من غيرها، وذلك بناءً على عدّة عوامل مثل:
- الواجبات الدراسية اليومية.
- كمية الاختبارات وتكرارها خلال الفصل الدراسي الواحد.
- العبء الدراسي المترتب على الطلاّب أسبوعيًا.
وبحسب أغلب استطلاعات الرأي التي أُجريت بهذا الخصوص لمعرفة درجة صعوبة التخصصات حسب معدّل ما يقضيه الطلاب من وقت في الدراسة خلال الأسبوع … تبيّن أن تخصصات الهندسة المعمارية، هندسة الميكانيكا وهندسة الطيران هي من أصعب التخصصات الجامعية … في حين أنّ تخصصات مثل العلاقات العامة، العدالة الجنائية والاتصالات تتطّلب وقتًا أقلّ ممّا يجعلها أسهل نسبيًا.
احرص إذن قبل اختيار التخصص الجامعي على معرفة العبء الدراسي الذي سيترتّب عليك خلال الفصل الدراسي الواحد، وقرّر بعدها إن كنت تستطيع تحملّه أم لا.
- توصيات المستشار الأكاديمي المختص:
تعدّ استشارة خبير أكاديمي مختصّ – على الأقل استشارة أحد الثقات في مجال اختيارك – واحدة من أهمّ خطوات اختيار التخصص الجامعي التي لا يجب عليك إهمالها.
ذلك أنّ هؤلاء المختصّين قد سبق لهم إجراء مقابلات مع مئات الطلاب قبلك، وسيكون في وسعهم تقديم العديد من النصائح والإرشادات القيّمة، وقد يقترح عليك هذا الخبير تخصصًا مناسبًا لم يخطر لك سابقًا، وعند التحدّث مع مستشار أكاديمي فاحرص على أن تستعدّ للجلسة وأن تحضّر قائمة بأهمّ الأسئلة التي تودّ طرحها عليه.
وإليك بعض النصائح الأخيرة التي يمكنك اتباعها خلال المرحلة الثانوية أو بعدها والتي ستساعدك على العثور على التخصص الأنسب لك:
- اختيار التخصص أثناء المرحلة الثانوية، تعرّف على التخصصات المتاحة مبكرًا حيث يمكنك تخصيص جزء من وقت فراغك خلال المرحلة الثانوية لإلقاء نظرة على مختلف التخصصات المتوفرة في العالم وتحديد ما يثير اهتمامك من بينها.
- حدّد ما إذا كنت تملك هدفًا طويل الأجل، فإن كنت تعرف تمامًا ما الوظيفة التي ترغب في القيام بها بعد التخرّج، ابدأ على الفور بتحديد التخصصات الجامعية التي تقودك للعمل في تلك الوظيفة واختر منها الأنسب لك.
- اختر جامعتك بعناية، فحتى لو لم تكن تعرف بعد التخصص الجامعي المناسب لك، احرص على التقديم لجامعات تتميّز بالمرونة فيما يتعلّق بإجراءات تحويل التخصصات … حتى إذا رغبت في تغيير تخصصك كان ذلك ممكنًا.
- تعرّف على إجراءات جامعتك المختارة في افتتاح تخصصات جديدة والمواعيد النهائية للتقديم إلى هذه التخصصات أو التحويل إليها.
- استكشف مختلف أقسام الجامعة التي ترغب في الالتحاق بها والتخصصات المتاحة فيها، واستشر أحد السابقين في هذا التخصص أو تحدّث مع الطلاب الحاليين في الجامعة في مختلف التخصصات لتأخذ فكرة عنها.
- ضع ضمن خياراتك التخصصات المزدوجة التي تتيح لك دراسة أكثر من مجال في الوقت ذاته وتعرّف على الجامعات التي تقدّم مثل هذه البرامج.
- لا تتردد في تطوير مهارات التي ستساعدك في التمكن من تخصصك المستهدف وذلك بحضور دورات تدريبية حيث يتوفر منها الكثير والمناسب اونلاين ومجاني.
مع أطيب الأمنيات بمستقبل واعد مليء بالنجاحات والتميز